خمس خطوات يمكن للحكومة الإثيوبية اتخاذها لتعزيز الريادة
حين يتعلق الأمر بريادة الأعمال، تشوب إثيوبيا تناقضات جمّة. فهذا البلد الجميل والمستقل جداً والوحيد في إفريقيا الذي لم يتم استعماره بالكامل، يشهد الآن فورة في ثقافة الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ولا ينقصه سوى أن تتوقف الحكومة عن اتخاذ القرارات الخاطئة.
اتخذت الحكومة في السنوات الأخيرة، خطوات بارزة نحو دعم الريادة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلاّ أنها لم تولي أهمية لواقع أنّ معدل استخدام الإنترنت في البلد يبلغ 1%.
خذوا على سبيل المثال، منتزه التكنولوجيا الذي قررت الحكومة إقامته بكلفة 250 مليون دولار: "إيثيو آي سي تي" (Ethio ICT). فتاريخياً، ارتبط الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد مباشرة بمعدلات هطول المطر، لأن الزراعة لا تزال تشكل غالبية هذا الناتج (46.3%) و80% من اليد العاملة فيه. غير أنه على الرغم من المعدل المتدني لاستخدام الإنترنت والمحمول (أقل من 20%)، تصر الحكومة على المنتزه.
قبل بضع سنوات، قررت الحكومة أيضاً بأن على 70% من الطلاب دراسة الهندسة. وارتأت بأن نمو البلاد سيعتمد على ذلك، غافلة أن الطلاب يحتاجون إلى وظائف حين يتخرجون.
ولتصحيح ذلك قررت الحكومة أن الريادة ستحل مشكلة هؤلاء الخريجين (قال لي أحد الأصدقاء إن الحكومة اليوم تقول إن 10% من الخرجين يجب أن يكونوا رياديين)، ناسية أن العقبات أمام الريادة خصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا تزال هائلة.
لا يعتبر هذا التعارض بين النية والواقع ببساطة حكراً على إثيوبيا، بل إن الكثير من المنتزهات التكنولوجية في إفريقيا أظهرت غياباً مماثلاً للتنسيق مع الحاجات المحلية على الأرض. وأحد الأمثلة الكبيرة على ذلك هو مدينة كونزا للتكنولوجيا في كينيا والتي كلفت 14 مليار دولار، وهي تمتد على مساحة 5000 فدان. وقد كتب توم جاكسون في "فنتشرز أفريكا" Ventures Africa أنّ "البعض يشعر أنه لا يجب أن تركّز كينيا على بناء مدينة تكنولوجية في وقت لم تبن بعد قاعدة مهارات صلبة".
ولكن الوضع في إثيوبيا أصعب من معظم جيرانها. ففي حين أن مجال الشركات الناشئة في كينيا يشهد نهضة، لا يزال تصنيف إثيوبيا متدني للغاية على صعيد التنافسية العالمية، بحسب تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي 2012 ـ 2013. فبين 144 دولة، تحتل إثيوبيا المرتبة 130 من ناحية الجهوزية التكنولوجية وكثافة التنافس وتوفّر الخدمات المالية وتسهيل الحصول على قروض. والأسوأ من ذلك أنها تحتل المركز 142 من حيث استخدام الأفراد للإنترنت و143 من حيث اشتراكات الهاتف المحمول.
إذاً، لن يكون الطريق إلى النجاح في مجال الشركات الناشئة سهلاً. فثمة شح في الاستثمار التأسيسي إن كان من جهة المصارف أو المستثمرين، كما أن البيروقراطية غير الشفافة منتشرة والأسوأ من ذلك أن الشركات التي توافق عليها وزارة الأعمال، لا يجب أن تتضمن أسماؤها أية صفة، أو بحسب أحد الرياديين، أي كلمات مرتبطة بصفة "قوي". كما تحتاج الشركات إلى الكثير من التراخيص وعلى الأقل يجب أن يكون لدى اثنين من المؤسسين شهادة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
أما الرقابة فهي تحد آخر، فالحكومة هي الزبون الأكبر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذ تستخدم إجراءات تفتيش مكثفة ورقابة على بيانات الإنترنت بمستوى الرقابة في إيران والصين، على الرغم من أن نسبة مستخدمي الإنترنت في البلد ضئيلة.
ولكن ثمة فرصة كبيرة في هذه السوق الكبيرة التي تضم 84 مليون شخص، وإليكم الأسباب:
يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين والهند وتركيا، فورة. فالعاصمة أديس أبابا هي موقع بناء عملاق يضم ناطحات سحاب وطرقات سريعة متعددة الخطوط معبدة حديثاً. كما أن الاقتصاد ينمو بمعدل كبير يبلغ 10% سنوياً منذ العام 2004. وبفضل الضرائب المنخفضة تتحوّل إثيوبيا إلى مركز تصنيع لشرق آسيا. فالهواتف والسيارات ومؤخراً، الطابعات، جميعها تُصنَّع وتُجمّع في إثيوبيا. كما أنه من المقرر أن تفتح شركة "سامسونج" مصنعاً لها هناك هذا العام.
ونظراً إلى القوة العاملة الكبيرة الكامنة، ثمة فرصة هائلة للنمو في قطاع الصناعة.
ولكن إذا كانت الريادة ستقدم فرصاً حقيقية للتقدم، فعلى الحكومة أن تغيّر مقاربتها، من اعتماد "مقاربة حذرة أمنياً تجاه الحركة التكنولوجية" كما عبّر عن ذلك أحدهم، إلى بناء ثقة مع القطاع الخاص.
إليكم بعض الجوانب التي يمكن أن تغيرها الحكومة لتساعد الشركات الناشئة على الابتكار في قطاع التكنولوجيا.
1 ـ السماح بوضع خرائط
لا يمكن أن تضع خريطة لأي شيء في إثيوبيا من دون إذن من الحكومة، وهو ما يجعل تطوير منصات لخرائط الأزمات وأنظمة الجوائز القائمة على المواقع أو خدمات التوصيل الدقيقة، أموراً في غاية الصعوبة.
2 ـ توسيع آليات الدفع
ما من بطاقات ائتمان في إثيوبيا. فأكثر أشكال
التكنولوجيا المصرفية تطورًا في البلاد هو الصراف الآلي. وهذا يعني
أنه ما من نظام لشراء أو بيع تطبيقات على المحمول أو أي خدمات
رسائل نصية مدفوعة. إن استثنيت "جوجل بلاي" ومتجر التطبيقات لـ "آبل"
وكافة الخدمات التي تتطلب بطاقات ائتمان، فستجد نفسك محدوداً. فالدفع
عبر المحمول Mobile money لم يصل إلى إثيوبيا إلاّ عبر "أم بير"
(M-Birr) (مشابه لـ"أم بيزا" M-Pesa) وقد اعتمدته بعض مؤسسات التمويل
المصغّر هذا العام. هذا قد يحمل معه تغييراً إلاّ أنه على خلاف "أم
بيزا"، يجب على مستخدم "أم بير" أن يملك حسابًا مصرفيًّا.
3 ـ تأمين خدمات المحادثات الصوتية عبر
الإنترنت Voice Over IP
في إثيوبيا، يمنع استخدام خدمات المحادثات الصوتية عبر
الإنترنت مثل "سكايب"، في العمل، إلاّ أنها على عكس ما سمع معظم
الناس، مسموحة للاستخدام الشخصي. فبإمكانك أن تستخدم "سكايب" لإجراء
اتصال يتعلق بالعمل ولكن لا يمكنك أن تستخدم خدمات المحادثات الصوتية
عبر الإنترنت كجزء من نموذج عملك أو كخدمة لزبائنك. وقد يعود هذا
السبب إلى احتكار الحكومة لقطاع الاتصالات.
4 ـ رفع القيود عن الشركات
الصغيرة
تعد غالبية الشركات الكبيرة في إثيوبيا إما ملكًا للدولة أم للدولة حصة فيها. كما أن الشركات الخاصة الكبيرة في قطاع التكنولوجيا مثل "سايبرسوفتس" Cybersofts و"أبوزيت" Apposite وغيرها، هي شركات "مُتشارَكة" حيث يستثمر فيها 10 إلى 20 شخصاً، وبذلك تتوزّع المخاطر على كلّ طرف مشارِك ما يخفف من وطأتها. وهذه الهيكليات الرسمية تجعل من الصعب على الرياديين الشباب بدء أي شيء.
5 ـ إلغاء البيروقراطية
الورقية
في حين يستخدم عدد ضئيل من الشركات في إثيوبيا أنظمة مالية رقمية، وبرامج لإدارة سلسلة التوريد وغيرها من الأدوات التجارية الرقمية المفتوحة المصادر أو التي بنتها شركات برامج دولية، لا يزال كل شيء تقريباً في إثيوبيا يجري يدوياً.
أما الشركات التي تريد البدء في اعتماد الإجراءات الرقمية فلا يزال عليها أن تستخدم الوثائق والملفات الورقية عند التعامل مع الحكومة.
باختصار، لدى إثيوبيا إمكانيات هائلة، فثمة بالتأكيد سبب لانتقال المستثمرين والمطورين والناس من حول العالم إليها. وصحيح أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، ولكن كلما قام المدافعون عن الريادة والمنظمات بتشجيع الرياديين والمبتكرين وإظهار جهودهم، ازداد احتمال تكيُّف الحكومة مع هذا الواقع لإعطائهم المساعدة التي يحتاجون إليها.