لمَ يجب أن يتعلّم كل ولد في المنطقة لغة البرمجة
بقلم كارين أبي عكّار ونافذ الدقاق
منذ الإنطلاق الناجح لموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" عام 2004، وحتى منذ بدء فورة المواقع الإلكترونية، بدأ الكثير من المدرّسين وخبراء التكنولوجيا بتشجيعنا على تعليم أولادنا ـ جميع أولادنا ـ لغة البرمجة أو التشفير. وآخر المحاولات الشهيرة في هذا المجال كانت موقع "كود دوت أورغ" Code.org الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، ويتضمن شهادات من مشاهير في جميع مجالات الحياة (منهم سنوب دوغ إلى دكتور أوز وبالطبع بيل غايتس ومارك زوكربرغ).
قد يقول الكثيرون أنّ للأنظمة التعليمية في المنطقة العربية أولويات ضاغطة وأساسية أكثر أهمية، وهذا صحيح في بعض الحالات. فلا تزال الأنظمة التعليمية في المنطقة تعتمد الفصل على أساس الجندر، والنفاذ إلى التعليم وأساليب التعليم التي ترتكز على الوعظ. غير أنه ثمة الكثير من الأسباب الأساسية التي تجعل من الضروري تعليم الأولاد كيفية البرمجة في وقت مبكر. وأربعة من هذه الأسباب تتعلق بالمنطقة العربية والعملية الانتقالية التي تشهدها.
السبب الأول هو أنّ الطلاب ينقصهم أسلوب التفكير بطريقة نقدية ومهارات حلّ المشاكل ما بدأ يشكّل عائقًا أمام تقدم المنطقة.
السبب الثاني هو أنّ الخوف الكبير من الفشل والثقافة المحيطة بذلك يعيقان القدرة على المناورة والابتكار وتأسيس الأعمال.
السبب الثالث هو أن الغياب المستمر للتمكين (حتى بعد "الربيع العربي") إلى جانب ثقافة الاستهلاك، يعيدنا إلى الوراء.
أما السبب الرابع فهو أن معدلات البطالة، بحسب إحصاءات الحكومات العربية، هي من بين الأعلى في العالم حيث تبلغ 25% في المنطقة ككل.
لكن الأمر الأكيد هو أنّ تعلّم التشفير لن يحل كافة هذه المسائل، وحدهما الجهد والوقت كفيلان في ذلك. إلاّ أن تعلم التشفير يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الحل.
وإحدى أكبر الأفكار الخاطئة حيال تعلم البرمجة هي أنها مرتبطة بشكل خاص بتعلّم "لغة برمجية" معينة أو خلق مبرمجين. غير أن البرمجة ليست فقط مهارة بل هي نمط تفكير يمكن أن يعتمده أشخاص مختلفون. وهي تشجع التفكير التسلسلي والابتكار والتعاون والخيال الواسع.
ومن خلال تعلّم التفكير المنهجي وتقسيم المشاكل إلى أجزاء يمكن إدارتها (برمجتها)، يكتسب الأولاد المنطق ويتعلّمون كيفية تحديد الأهداف وحلّ المشاكل.
ومع بدء الأولاد في إنتاج شيفرتهم الخاصة وبرامجهم أو تطبيقاتهم الخاصة، يصبحون في نهاية المطاف متمكنين.
وهم يدركون بأنهم مثل أولاد المنطقة العربية، ليسوا محصورين باستهلاك محتوى على الإنترنت بل بإمكانهم أن ينتجوا هذا المحتوى بأنفسهم. فهم لا يعرفون فقط القراءة بل بإمكانهم أيضاً الكتابة والكتابة بشكل جيد، منتقلين من المعرفة الرقمية إلى الفصاحة الرقمية. ولفعل ذلك، على الشباب أن يتعلموا كيفية التشفير والتلاعب بالإعلام الرقمي. وستضيف الإمكانيات التي سيكتسبونها قيمة أكثر إلى ما يتمّ استهلاكه في المنطقة العربية.
والأهم، أن التشفير يقدّم فرص عمل أكثر وكلفة الفشل فيه أقلّ. لذلك فإن الطلاب الذين يتعلمون كيفية التشفير يتعلمون أيضاً أهمية الاختبار وبالتالي الفشل. وهو يسمح لهم بأن يروا الفشل في النهاية كـ"تكرار مقصود"، ما يعزّز نمط تفكير متطور يستهدف النموّ وهذل أمر يكون غائبًا لدى الأولاد. وتجاوز الخوف من الفشل هو أحد العقبات الأساسية لخلق اقتصادات تعتمد حقاً على ريادة الأعمال في المنطقة. وبالطبع، بعض الطلاب الذين يتعلمون التشفير في وقت مبكر سيقررون إن كانوا يستمتعون به بما يكفي ليقومون به بدوام كامل. وإن لم تكن واثقاً بأن هذا أمر جيد، تحدث إلى أي ريادي في المنطقة العربية لديه منتج تكنولوجي. فالنقص في عدد مهندسي وعلماء الكومبيوتر هو ظاهرة عالمية لكنها حادة في المنطقة بشكل خاص. وقد أحسن زكربرغ في التعبير عن ذلك حين قال إن "سياستنا في فايسبوك هي حرفياً توظيف قدر الإمكان من المهندسين الموهوبين، فلا يوجد اليوم عدد كاف من الأشخاص المدربين والذين لديهم هذه المهارات".
وأخيراً، كما أشير سابقاً، فإن تدنى العوائق أمام دخول السوق تسمح بدخول أسهل إلى ريادة الأعمال وبالتالي السماح لشبابنا بأن يجربوا التوظيف الذاتي (رغم أن هذا الأمر ما زال صعبا جداً).
ففي وضع مثالي، يمكن لإدراج البرمجة في المنهج أن يتمّ في الصف الثاني عشر ولكن للأسف، نحن لا نعيش في إستونيا حيث انطلق "سكايب"، أي حيث 100% من تلامذة الصف الأول الابتدائي يتعلمون كيفية التشفير.
ولحسن الحظ، ثمة الكثير من الخيارات المجانية المتوفرة على الإنترنت. فبرنامج "سكراتش" Scratch من معهد ماساتشوستس للتقنية، الذي يركز على تعليم المنطق والتعبير الموجودين في التشفير، من دون استخدام الكلمات، هو أحد أشهر الخيارات لدى الأولاد والمدارس.
ويستخدم برنامج "سكراتش" في الجامعة أيضاً ويُطبّق في مادة "سي أس 50" CS50 في جامعة هارفرد، وهي مقدمة عن البرمجة. وتتضمن الخيارات الشهيرة الأخيرة "هاكيتي هاك" Hackety Hack من "موزيللا" و"كود أكاديمي" Code Academy وهما مجانيان ومتوفران للجميع ويمكن تعلّمهما ذاتياً.
لدى "كود دوت أورغ" لائحة أوسع للأطفال وبالطبع ليس الوقت متأخراً جداً للبالغين كي يبدأوا أيضاً.
استوحي هذا المقال من كتاب "التشفير من أجل النجاح" (Coding for Success) بقلم أندي يونغ.
الصورة من مكتبة سان خوسيه وموليكوليا
نافذ تخرّج
حديثًا من جامعة "يال" وتخصّص في الدراسات الاقتصادية والعالمية.
تناولت أطروحته موضوع العوائق التي تواجه إصلاح المناهج التعليمية في
الأردن وفي الإمارات. يشغل حاليًّا منصب مستشار في فريق
PricewaterhouseCooper's التعليمي الواقع في دبي. يهتمّ
بالإصلاح التعليمي، السياسات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الريادة
الاجتماعية، والشركات الناشئة. شغفه الأساسي هو التفاعل بين
التكنولوجيا والريادة التعليمية. يمكنكم التواصل معه على تويتر
@ndakkak.