كيف يستثمر صندوق تمكين في المشاريع المصرية الناشئة
طارق فهيم، المؤسس الشريك والشريك الإداري لـ"تمكين كابيتل" Tamkeen Capital هو من الأشخاص الذين لا يكثرون الكلام، بل يفسحون المجال لتتحدث أعمالهم عنهم.
هو وشريكه الآخر إيهاب الفولي رياديان متسلسلان ناجحان شغوفان بابتكار نماذج أعمال جديدة. وبما أنهما ليسا من النوع الذي يجفل أمام التحدّي، أسّسا شركة الاستثمار "تمكين" بُعيد الثورة وموّلاها بداية من مالهم الخاص عند مرحلة التأسيس بهدف إحداث انقلاب في مجتمع رأس المال المخاطر في مصر.
وقبل أن أشرح سبب تميّز "تمكين"، سأعرض الشركات التي دعمتها: "سوشل فروتس" Social Fruits الشركة وراء "وصّلني" و"خيرنا" و"تالنت سل" Talent Cell و"ناس تالنت" NAS Trends و"نبضة كير" Nabda Care و"ماش" Mash و"نزال" Nezal و"وايرلس ستارز" Wireless Stars و"جداري" و"موبيكون" Mobicon.
تستعين كافة هذه الشركات بالتكنولوجيا من دون أن تركّز على التكنولوجيا بشكل خاصّ. وثمة أربعة شركات أخرى في طور الإعداد بالإضافة إلى "رنين"، وهي أشبه بشركة حاضنة للأعمال لا تزال في نسختها التجريبية. سأكتب عن كل واحدة منها بشكل منفصل في الوقت المناسب.
لا يعتبر عدد الشركات التي ترعاها "تمكين" كبيراً ولكن هذا مؤشر أساسيّ على سبب تميّزها عن غيرها من شركات الاستثمار.
وقال الفولي "هدفنا ليس المساعدة في بناء شركات ناشئة، بل المساعدة في بناء أعمال ناجحة. نريد أن تنجح كافة الشركات التي نستثمر بها لا فقط 10% منها". الأمر أشبه بتفضيل الكمية على النوعية.
نموذج استثمار خاصّ بمصر
أوضح طارق أن "نماذج صناديق رأس المال المخاطر الأجنبية التي هي موضة في الغرب، لا تنجح في مصر، لأن البيئة المحلية الحاضنة للاستثمار غير متطوّرة بما يكفي".
بعبارة أخرى، لا حاجة لضخّ استثمار تأسيسي في 50 شركة ناشئة إن كنت على علم أن البيئة الحاضنة غير قادرة أو جاهزة للحفاظ على نموها في المراحل المبكرة التالية من تطورها. والدليل على ذلك هو عدد الشركات الناشئة الواعدة التي تلقت استثمارًا تأسيسيًّا من شركة حاضنة ومسرعة للنمو في مصر، لكن بدأت تعاني بعد مغادرة الحاضنة من عدم القدرة على الحصول على المزيد من الاستثمار.
الأسوأ من ذلك، أن الكثير من الشركات الناشئة تتلقى استثمارًا تأسيسيًّا أو أو جولة استثمار ثانية لكن يكون رأس المال المخاطر الذي أعطِي لها غير ملائم، فتضطرّ الشركة إلى النضال والصمود هذا إن صمدت أساساً.
تسعى "تمكين" لامتلاك 25% إلى 45% من الشركات التي تستثمر فيها، وهي حصة مرتفعة نسبياً، ولكن قيمة الاستثمار التأسيسي الذي تخصّصه للشركات يتراوح بين 50 ألف و250 ألف دولار، وهو أيضاً أعلى بكثير مما يدفعه معظم المستثمرين المحليين في مرحلة التأسيس، والذين يستثمر غالبيتهم عبر شركات مسرّعة للنمو.
تقدّم "تمكين" أيضاً جولات استثمار أولية تصل إلى مليون دولار، عبر تقديم قروض تساعد شركاتها الناشئة خلال المراحل التأسيسية حين تكون في أمسّ الحاجة إلى رأسمال عملي. وباختصار، تؤمّن "تمكين" جميع أدوات التمويل التي تحتاج إليها الشركة الناشئة إلى حين يمكنها التوقف عن مناداة نفسها بشركة ناشئة وتسمية نفسها شركة، ببساطة.
اعتماد مقاربة طويلة الأمد
خلال حديثي المطوّل مع طارق في مكاتب "تمكين"، ذكر فيلم بنجامين باتون Benjamin Button، الذي تدور أحداثه حول رجل ولِد مسنًا وكلّما كَبُر حجمه صغُر عمره. وقد شبّه الشركات الناشئة بشخصية بنجامين حيث تبدأ حياة الشركة الصغيرة بأحلام كبيرة ولكن مليئة بمشاكل "كبيرة" ثم تنمو لتكون أكثر "شباباً" وتكسب الحيوية والمهارات التي تتناسب مع طموحها.
وذكر أيضاً فيلم Something Venturedالذي يتحدّث عن بدايات مجتمع صناديق رأس المال المخاطر في الولايات المتحدة. ففي الأيام الأولى، كانت هذه الصناديق منخرطة أكثر في العمليات اليومية للشركات التي تستثمر فيها، وتستثمر فيها طوال عقد أو حتى أكثر أحياناً إلى أن تجد لها مخرجاً غالباً ما يصحبه عائدات خيالية.
هذه هي المقاربة الطويلة الأمد التي تعتمدها "تمكين"، فهي لا تحب أن توصف بأنها صندوق رأس مال مخاطر أو مسرّعة نمو بل "حليف مخاطر أو مُمكِّن".
والمختلف في نموذجها أيضاً هو أن طارق يبحث دائمًا عن شركات مثيرة للإعجاب عبر شبكة واسعة. والشركات التي يعثر عليها أو يكتشفها عبر توصية من طرف آخر، تحظى بفرصة التدرُّب لدى الشركة الحاضنة. وقد تحظى هذه الشركات الناشئة أيضًا بفرصة استثمار. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الشركات الناشئة التي تحتضنها "تمكين" لا تُعطى عدداً معيناً من الأشهر للمغادرة، بل بإمكانها أن تبقى سنة كاملة مجاناً إلى حين توظيفها 20 موظفًا.
انتقلت "تمكين" مؤخراً إلى مكتب جديد تصميمه مفتوح بهدف خلق بيئة عمل مشتركة نابضة بالحياة ومحفّزة أكثر. وهذه البيئة تبعث على الاسترخاء بفضل رسوم "الجرافيتي" على بعض الجدران وألعاب مختلفة في الزاوية المخصصة للتسلية والاستراحة.
غادرت المكان والسعادة تغمرني. فهذه ليست شركة استثمار تتطلع إلى المستقبل فحسب، بل تأخذ متطلبات مصر اليوم بعين الاعتبار. و"تمكين" هي شركة ناشئة ترفع رأسها عالياً ولكن تضع قدميها بثبات على الأرض. وسوف يحقق مجتمع الاستثمار المصري نتائج جيدة إذا اتبع نموذج "تمكين" الشامل كمخطط لعمله.