شرح المسألة السورية: Syria Deeply ترسم خريطة النزاع عبر أدوات إعلامية جديدة
إن الصراع في سوريا أكثر تعقيداً بكثير من مجرد ثورة أو دعوة إلى الإصلاح، وهو لا يزال يثير الدهشة والرعب لدى من يشهدونه، حيث جعلت الجثث المشوهة والأطفال الخائفين والظهور المتزايد للشخصيات المريبة من المشهد السوري مسرحية سوداء، تتحدى حدود قدرة الجمهور العالمي على الاستيعاب ناهيك عن الفهم.
وسواء تم النظر إليه على أنه معركة حرة للجميع أو صراع استقطاب بالوكالة سيحدد موازين القوى في المنطقة لعقود مقبلة، فإن المسألة السورية اليوم تشكل تحدياً لوسائل الإعلام الحديثة لإيجاد زاوية يمكن من خلالها التقاط ما يكفي من الحقيقة لإرضاء الجمهور.
في جو يسوده اضطراب نقص الانتباه (ADD) لدى الغالبية إلى الأخبار والهوس بالوسم أي "هاشتاج" (hashtag)، انطلقت منصة جديدة منذ يومين لتقدم إجابة مدروسة على هذا التعقيد. المنصة هي "سيريا ديبلي" (Syria Deeply) أي "نظرة معمقة إلى سوريا" التي تَعدُ بأن تكون اسمًا على مسمى. تقدم هذه المنصة نظرة معمقة إلى النزاع من جميع الزوايا، بالتوازي مع إحصاءات مبنية على خرائط محلية ووصفاً للاعبين بارزين وشبكة الموالين لهم محلياً وشهادات من سوريا بنسخها الأصلية، إضافة إلى اعتماد أسلوب المدوّنة، وآراء مكتوبة ومسجّلة وتحديثات من وسائل الإعلام الاجتماعي.
تستهدف المنصة جميع مجالات الاهتمام ولكنها تميل إلى تقديم تحليل وخلفية لما تعرضه من بيانات، حيث أن 75% من المعلومات على المنصة هي إما ديناميكية تلقائية أم غير تفاعلية، وذلك من أجل منح متابعي "الملفات السورية" ما سيحتاجونه من أجل الإضطلاع على آخر الأخبار.
إن بناء الموقع في فترة الشهرين ونصف الماضية لم يكن إلا تلبية لنداء شخصي بالنسبة لمؤسِّسة المنصة، الأرمينية الأميركية، لارا سيتراكيان، التي لديها عائلة في سوريا وعملت في الشرق الأوسط لمدة خمس سنوات لصالح شبكتي "آي بي سي" الإخبارية ABC وبلومبرج Bloomberg الأميركيتين. وتقول عن ذلك "لم أتقبّل رؤية الجمهور الأميركي يستمر في إساءة فهم الأزمة السورية. لم أستطع رؤية ذلك وعدم القيام بشيء حياله".
بدأ الموقع بخربشات على دفتر الملاحظات الخاص بـ لارا، ويعتمد الآن على البيانات في تركيزه على المحتوى وآراء الخبراء. وتقول لارا "وجدت دراسة أجراها مركز "بيو" PEW مؤخراً بأن السبب الأول وراء عدم متابعة الأميركيين للأخبار الأجنبية هو افتقارهم إلى الخلفية المعرفية. فدورة الأخبار الأميركية والنظام التعليمي لا يقدمان ذلك".
ومن أجل ردم تلك الهوة، تنوي لارا جعل تلك الخلفية بسيطة قدر الإمكان، عبر استخدام تقنيات البيانات المصورة (تظهر على " Defection Tracker" أو بالعربية "متتبع الانشقاقات" الذي يراقب وضع حلفاء الأسد).
والرصيد الأكبر لدى "سيريا ديبلي" هو المعرفة والخبرة اللتين يتمتع
بهما فريق العمل. وتقدم الزاوية المخصصة في الموقع للتحديثات على
تويتر، قائمة منسقة من المصادر الموثوقة، لتؤكد على حقيقة ما توصلت
إليه سيتراكيان بأن الأخبار المعتمدة على وسائل الإعلام الاجتماعي
غالباً ما تتقدم على وسائل الإعلام التقليدية بـ48 ساعة. فيما تقدم
صفحة الافتتاحية تحليلات يكتبها مفكرون رائدون في هذا المجال.
يعكس هذا المزيج من الرؤية السياسية المعمقة والتكنولوجية، المجموعة المتنوعة من الشركاء الذين يعتمد على وجودهم هذا العمل، والتي تشمل "معهد السياسة العالمية" (World Policy Institute) وهو مجموعة تفكير لا تهدف الى الربح مقرها نيويورك، و"جوجل بلاس" Google Plus، ومنصة العرض "بريزي" (Prezi) و"ساوند كلاود" (Soundcloud) وموقع "ستايت" (State.com) ومنصة رسم الخرائط "يوشهيدي" (Ushahidi). وتقول سيتراكيان إنه بوجود هذه الترسانة من الأدوات الإعلامية الجديدة والتركيز على تجربة المستخدم، "سنصبح ماهرين للغاية في تصوير التعقيد. كيف يمكنك أن تصمم شيئاً يفسر الأحداث بوضوح؟".
جني المال من الإعلام الجديد
وراء التغطية المتمكنة التي يقدمها الموقع لأزمة عالمية كالأزمة السورية، فإن قدرته على تغطية مسألة معقدة بشكل جيد هي القيمة الجوهرية لـ"سيريا ديبلي"، وهي ما تريد سيتراكيان وفريقها ترسيخه. وتقول "مع تحسّننا في تصوير التفاصيل الفارقة، نأمل أن نتوسّع لنغطي مسائل أخرى ونخطط لترخيص إطار العمل".
وهو ما يعني أن الموقع لن يقتصر على حركة الزوّار حين يتعلق الأمر باختيار الأقسام التي سيتم تقليصها أو توسيعها. وفي حين ترى سيتراكيان الموقع كميدان اختبار لرواية القصص الإعلامية، فإن وضع حل برمجي خاص سيسمح لـ"سيريا ديبلي" بالوفاء بالتزامها تجاه هدفها القائم على "إيصال أكثر المعلومات فعالية والأساسية بطريقة تجعل المسألة أسهل على الاستيعاب"، بحسب قولها. وأضافت "نحن الآن في مجال البحث والتطوير الإخباري. وفي نهاية المطاف يمكن استخدام المنصة نفسها لتغطية عدد كبير من المسائل العالمية المعقدة من الكونغو وصولاً إلى كوريا الشمالية ومن التغيير المناخي إلى الأمن الغذائي".
ستقيم "سيريا ديبلي" شراكة مع المجلس الوطني للدراسات الاجتماعية (National Council for Social Studies) لتحويل المعلومات إلى خطط تعليمية تقدم في الصفوف الدراسية. وتقترب الشركة الآن من اختتام جولة من التمويل التأسيسي مع مستثمرين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الذي تستعد فيه لإطلاق حملة تبرعات شعبية على "إندي جوجو" IndieGogo.
ضمان توازن الرؤيا
مع بوجود شركاء معظمهم في الولايات المتحدة، يمكن للمرء أن يظن أن الموقع يميل في الوقت الراهن إلى وجهة نظر متعاطفة مع مصالح الولايات المتحدة. ولكن هدف الموقع كما تقول سيتراكيان هو البقاء على الحياد، والتغطية الحالية المتحيزة تعود إلى إمكانية الوصول إلى المعلومات وليس موقفاً من فريق التحرير. وأضافت "من الصعب العثور على قصص متعاطفة مع النظام السوري. ونريد أيضاً أن ننشر وجهات النظر الروسية والصينية".
وتؤكد سيتراكيان أن الموقع سيستغرق وقتاً قبل أن يصبح شاملاً، غير أن المؤسسين ملتزمون بتغطية النزاع كمسألة إنسانية، ومستمرون حتى الوصول الى تغطية شاملة، وتكمل قائلة "يتحتم علينا أن نضم المزيد من الأصوات".
وعلى الرغم من أنه لا يزال في بدايته، إلاّ أنه من الواضح أن الاهتمام والنشاط على الموقع سيزدادان بفضل الاهتمام المحلي والعالمي بالحوار حول النزاع الذي لا تبدو نهايته في الأفق. وتقول سيتراكيان إنه "قد حان الوقت لتأسيس "منصة تقدّم معلومات دقيقة ومعمقة".