الحاجة إلى اقتصاد مشاركة في الشرق الأوسط (هل تلقى مستنسخات Airbnb نجاحًا؟)
تجبرنا الظروف الاقتصادية التنافسية بشكل متزايد والمخاوف الاقتصادية المتنامية، على البحث عن أنماط جديدة للعيش والتواصل مع بعضنا البعض. وفي السنوات الأخيرة الماضية، أدى هذا التغيّر في سلوك المستهلك إلى ولادة مفهوم يعرف بـ"اقتصاد المشاركة" أو "الاستهلاك التعاوني" أو "السوق المشترك". وأصبح هذه مسألة هامة بالنسبة للرياديين التكنولوجيين بخاصة بفضل نجاحات "إير بي أن بي" (Airbnb) و"زيب كار" (Zip Car) و"كيكستارتر" (Kickstarter).
ولكن ثمّة شكوك في إمكانية نجاح هذه الشركات في الأسواق الناشئة لتركيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث نموذج الأعمال السائد هو استنساخ أفكار غربية بدلاً من الابتكار بناء على حاجات وأنماط تفكير محلية. ويحتاج المشككون إلى أن يفهموا أكثر الاختلافات في سلوك المستهلكين في السوقين وأسباب نجاح النموذج الأصلي.
جذور النجاح
إنّ الحاجة إلى الاستهلاك الجماعي، مثل مشاركة أو تأجير شيء ما مثل السيارة بدلاً من امتلاكها كما يفعل نموذج شركة "زيب كار"، قد برزت قبل 10 إلى 15 عاماً. وخير دليل على ذلك الدراجات البيضاء في أمستردام في ستينيات القرن الماضي، والممارسات الاجتماعية مثل الاستعمال المشترك للسيارات (carpooling) في الولايات المتحدة. ولكن منصات التكنولوجيا مثل "إير بي أن بي" و"كيكستارتر" و"زيب كار" تزيد الاستهلاك الجماعي بساطة وتجعله متاحاً أكثر.
وقاد هذا الأمر إلى ولادة الاستهلاك الجماعي كنمط حياة ناشئ (ما سمّته سارة هوروفيتز في "ذا أتلانتك" The Atlantic بـ"الثورة الصامتة"). فمع ارتفاع البطالة والدين الشخصي وكلفة العيش، من دون أن نذكر الهجرة الاقتصادية المتزايدة، أصبح هذا الأمر مغرياً أكثر.
وهذه الشركات التي تقوم على الاستهلاك التعاوني، ستكون شركات المليار دولار المقبلة، وهو ما توقعته مجلة "ذي إيكونوميست" The Economist في العام 2011 خصوصاً بسبب نمو اقتصاد المشاركة في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي هذا الجو، لم يكن مفاجئاً أن تًقيّم "إير بي أن بي" أخيراً بـ2.5 مليار دولار ولكن ذلك قاد إلى نقاش حول استدامة الشركة والقوى التي قادت إلى نجاحها.
يتفق الجميع تقريباً على أن توفير النفقات هو المحرك الرئيسي للنمو في اقتصاد المشاركة. وقد انطلقت شركات تبادل المساكن بين الأفراد خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في السنوات القليلة الماضية، ولم تقم بذلك رغمًا عنها. ومع أن الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا قد يعرقل نمو "إير بي أن بي" على المدى القصير، إلاّ أن الديناميكيات قد تكون مختلفة على المدى الطويل بسبب الظاهرة المتنامية للثورة الصامتة والمرتبطة بشعور مناهض لنظام تكوين الشركات الذي يتمثل في حركة "احتلوا" Occupy.
ثمة عامل محرّك آخر هو ما تصفه هوروفيتز بـ "أناس الـ360 درجة". وهؤلاء هم زبائن واعون على التأثير الإيكولوجي والمالي والمجتمعي لتصرفاتهم الاستهلاكية، ويفضلون الاستهلاك التعاوني حتى في غياب المخاوف المرتبطة بالكلفة.
ويقول كايهان مولاتشي، وهو ريادي ومسافر دائم حاول بدء موقع لتبادل المساكن اسمه "7 داي هاوس" 7dayhouse.com، إنّه "ثمّة أشخاص يغيرون أنماط حياتهم ليتعاملوا مع إير بي أن بي"، مشيراً إلى أن أحد أصدقائه "استأجر شقة أكبر لكي يكون لديه غرفة احتياط إن أراد التعامل مع إير بي أن بي، لأنه يريد أن يلتقي بأشخاص جدد ويجني المزيد من المال ويعيش أيضًا في ظروف أفضل".
ديناميكيات اقتصاد المشاركة في الأسواق الناشئة
المختلف في الشرق الأوسط وتركيا عن الولايات المتحدة هو أن الناس نادرًا ما يتشاركون شققهم للقاء أشخاص جدد أو لأسباب إيكولوجية، بل إن المحرك الرئيسي هو فقط توفير التكاليف أو جني الربح أكثر بدلاً من وجود "ثورة صامتة". وبينما ثمّة عدد متقارب من منصات تبادل المساكن في العالم الناشئ، شركات مثل hemenkiralik.com وkiraguru.com وsahibinden.com في تركيا وArabrooms.com وGweet.com في العالم العربي، إلاّ أنها تركّز بشكل واسع على النمط التقليدي لاستئجار الشقق أو السيارات.
ويقول هاكان جوزيلجوز وهو ريادي من الجيل الثاني في مجال السياحة يعيش في اسطنبول، إن "ثقافة المشاركة في الولايات المتحدة وأوروبا مختلفة عمّا هي عليه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، ولكن لا يزال هناك إمكانية كبيرة لشركات تبادل المنازل في المنطقة. غير أن الشقق المحجوزة خصيصاً لهذا الغرض قد تكون خياراً للنمو. ولن يقوم الناس بمشاركة شقق يعيشون فيها فقط لأهداف العيش الصديق للبيئة". ويوافق مولاسي، قائلاً إنه "في تركيا أو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يرغب الناس في تأجير شققهم فقط إن لم يعيشوا فيها وذلك لأهداف التوفير فقط لا غير".
دور التنمية الاقتصادية
قد يؤشر الفرق في الفهم الإيكولوجي إلى ضرورة إعادة تموضع شركات اقتصاد المشاركة في الأسواق الناشئة. ويقول إرجم سينيوفا توهومكو وهو ريادي إيكولوجي مقره لندن وسفير تركيا لـ مشروع آل غور للواقع المناخي، إنّ "العيش بطريقة صديقة للبيئة الذي يعكس الاستهلاك التعاوني، هو نادر جدًّا في منطقتنا. سبب ذلك هو ثقافتنا التي تركز كثيراً على الفرد وليس على كونه جزءاً من بيئة حاضنة أو مجتمع. وما يمكّن الناس هو كم يملكون وليس كم يتشاركون مع غيرهم".
ويقول توهومكو إن "غياب السياسة الإيكولوجية على المستوى الحكومي تسمح أيضاً للمجتمع بألاّ يأبه للبيئة، إلاّ أن غياب المقاربة الاستباقية هنا قد يكون عائداً إلى شعور عميق بالمصير الجماعي". ويوضح أن "مقاربة مصيرية تقدم شرحاً من دون مسؤوليات وتشرح إلى حد ما عدم الفهم الإيكولوجي الكافي في منطقتنا". وعلى المدى القريب، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا عقبة أمام مستنتخات من "إير بي أن بي" أو "زيب كار"، أم أن المواقف ستتغير تدريجياً. وفي الحالتين، من أجل بلوغ تقييم سوقي بملياري دولار أو ثلاثة، نحتاج أن نطلق شركات تقوم على الحقائق الموجودة في أسواقنا الناشئة.
أخذت الصورة الرئيسية من "إير بي أن بي"